سوريا بعد 8 ديسمبر 2024: معالجة إرث فساد نظام الأسد واستعادة الأموال المنهوبة
شهدت سوريا تحولا عميقاً منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، اليوم الذي سقط فيه نظام عائلة الأسد بعد أكثر من 5 عقود من حكم البلاد. واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة هي معالجة الفساد الذي استشرى في كافة مفاصل الدولة، وأدى إلى نهب ثروات ضخمة قدرتها مصادر غربية بمليارات الدولارات. هذا الفساد تراكم بفضل سياسات بشار الأسد ورجاله الذين استفادوا بشكل غير مشروع على حساب الشعب السوري.
وتؤكد آراء العديد من السوريين في أحاديثهم مع الجزيرة نت أن الهدف من تقييم هذا الإرث ومعالجته هو:
- تحسين مكانة سوريا على مؤشر مدركات الفساد العالمي.
- إعادة الأموال التي تم نهبها من قبل الأسد ورجاله إلى خزينة الدولة، للاستفادة منها في تحسين الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها أغلب الشعب السوري.
الفساد في سوريا: المؤشر الدولي لعام 2024
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الجديدة لتحسين وضع البلاد، يظهر التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2024 صورة قاتمة لسوريا، حيث حافظت على موقعها ضمن قائمة الدول الـ10 الأكثر فساداً في العالم. حصلت سوريا على 12 نقطة من أصل 100 في مؤشر مدركات الفساد، مما يجعل ترتيبها العالمي في المرتبة 177 من أصل 180 دولة.
الخبير الاقتصادي بسام ياغي وصف تأثيرات الفساد على الاقتصاد السوري بأنها كانت كارثية، فقد قوضت خطط التنمية المستدامة وأدت إلى تبديد الموارد. كما أن الفساد حول المجتمع السوري إلى مجتمع يعاني من الفقر المدقع.
التحديات القادمة: إصلاح ما أفسده النظام
أشار ياغي إلى أهمية أن تدير السلطة الجديدة مرحلة ما بعد الصراع تحت مظلة حكم رشيد، الذي يسعى إلى تصحيح الأوضاع من خلال:
- تفكيك منظومة الفساد التي خلفها النظام المخلوع.
- معالجة تداعيات الفساد الاقتصادية والاجتماعية.
- تنظيف الفضاء العام من الشبكات المتنفذة التي اختطفت الاقتصاد الوطني واستغلت موارده.
السلطة الجديدة بدأت بالفعل في إعادة تقييم الأصول التي يمتلكها رجال الأسد، بالإضافة إلى المصالح التجارية المرتبطة بالمقربين من النظام السابق. وزير التجارة ماهر خليل الحسن وصف ملف الفساد بأنه “ضخم” مشيراً إلى أن النظام السابق سيطر على الاقتصاد الوطني بشكل كامل.
من الفساد الناعم إلى الفساد الخشن
لطالما ارتبط الفساد في سوريا بنظام الحكم، حيث كان الفساد جزءًا لا يتجزأ من هيكل الدولة. وفقاً للصناعي والباحث الاقتصادي عصام تيزيني، بدأ الفساد في سوريا بطريقة “ناعمة”، حيث تم التسلل إلى المؤسسات الاقتصادية دون أن يؤثر بشكل واضح على المجتمع. لكن مع بداية الحرب في 2011، تحول الفساد إلى شكل أكثر تطرفاً وأثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للسوريين.
الفساد أحدث نوعين من الفقر في المجتمع السوري: “فقر المال” و”فقر القدرة على العيش”، حيث يعاني نحو 90% من السكان من الفقر، بينما يعيش نصف السكان تحت خط الفقر المدقع وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.
احتكار وتلاعب بالموارد
النظام السابق كان يعتمد على سياسات تلاعبية في إدارة الاقتصاد الوطني، حيث استفاد المقربون من السلطة من احتكار السلع الأساسية وتحصيل الأرباح على حساب الاقتصاد المحلي. الخبير الاقتصادي عبد الستار دمشقية أشار إلى أن رجال النظام استفادوا من السياسات التفضيلية التي سمحت لهم باحتكار التجارة والمناقصات الحكومية. كما كشف عن كيفية استغلال النظام للموارد الطبيعية والمشاريع الاقتصادية لصالح حاشيته بدلاً من خدمة الشعب.
خسائر ضخمة بسبب الفساد
تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن خسائر سوريا المادية خلال الفترة من 2011 إلى 2024 بلغت نحو 600 مليار دولار، بينما قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خسائر البلاد في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 800 مليار دولار.
المصادر:
- تقارير منظمة الشفافية الدولية 2024.
- تصريحات الخبراء الاقتصاديين مثل بسام ياغي وعصام تيزيني.
- تقرير رويترز حول الفساد في سوريا.
- دراسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.