معركة الرقائق.. واشنطن تعزز دفاعاتها التكنولوجية ضد بكين

الولايات المتحدة تتلقى استثمارات ضخمة في صناعة أشباه الموصلات من TSMC لتعزيز الأمن التكنولوجي والاقتصادي

في خطوة استراتيجية تعكس تسارع التنافس العالمي في قطاع أشباه الموصلات، أعلنت شركة TSMC التايوانية عن استثمار ضخم بقيمة 100 مليار دولار أمريكي لدعم تصنيع الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة، ليصل إجمالي استثماراتها إلى 165 مليار دولار. وتشمل هذه الاستثمارات إنشاء خمسة مصانع جديدة في ولاية أريزونا، وذلك في خطوة تواكب الاستراتيجية الأميركية الرامية إلى تعزيز القدرة التكنولوجية المحلية وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية.

تأتي هذه الخطوة في إطار مساعي الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب، لجعل الولايات المتحدة مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي وتعزيز أمنها التكنولوجي. وقد وصف ترامب الاستثمار بأنه “خطوة هائلة من جانب أقوى شركة في العالم”، مشيرًا إلى أن تعزيز إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة لا يقتصر على كونه مسألة اقتصادية فحسب، بل يعد أمرًا بالغ الأهمية في ما يتعلق بالأمن الوطني.

كما تأتي هذه الاستثمارات ضمن إطار قانون “CHIPS Act” الذي يهدف إلى إعادة توطين صناعة الرقائق في الولايات المتحدة، ويُعتبر أحد أبرز المبادرات الرئاسية لتعزيز الصناعة الوطنية وتقليل الاعتماد على الخارج، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بين الصين وتايوان.

تداعيات الاستثمار على صناعة أشباه الموصلات

يعد هذا الاستثمار من TSMC خطوة استراتيجية تعزز قدرة الولايات المتحدة على الحد من مخاطر الاعتماد على أشباه الموصلات المستوردة من آسيا، تحديدًا من تايوان وكوريا الجنوبية. ويوضح الدكتور حسين العمري، أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون، أن إنشاء مصانع TSMC في أميركا يساهم في تقليل المخاطر الجيوسياسية، خاصة مع تفاقم التوترات بين الصين وتايوان.

هذا الاستثمار سيُمكن الولايات المتحدة من تقليص النفوذ الصيني في سوق الرقائق المتقدمة، بما في ذلك تقنيات 5 نانومتر وما دون. كما سيسهم في تسريع التطوير المحلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة، ما يمنح الشركات الأميركية مثل “Apple” و”Nvidia” و”AMD” ميزة تنافسية في السوق العالمية.

تعزيز الاستقلال التكنولوجي وتوسيع نطاق التعاون

وفقًا لتقارير شبكة “سي إن بي سي”، من المتوقع أن تسهم هذه الاستثمارات في زيادة التعاون بين TSMC والشركات الأميركية الكبرى، ما يعزز مرونة سلاسل التوريد ويسهم في خفض تكاليف النقل. وفي نفس السياق، قد تواجه الشركات الصينية مثل “Huawei” و”SMIC” تحديات إضافية في الحصول على رقائق متقدمة، مما سيضطرها لتطوير تقنيات بديلة بتكلفة أعلى.

كما يبرز هذا الاستثمار كأداة أساسية في صراع القوى الكبرى على الريادة التكنولوجية. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة جسر تكنولوجي يعزز قدرة الولايات المتحدة على التصدي للطموحات الصينية في صناعة أشباه الموصلات، التي تشهد منافسة شديدة خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة فائقة السرعة.

أبعاد اقتصادية وجيوسياسية

يشير الدكتور حسين العمري إلى أن هذا الاستثمار ليس مجرد خطوة اقتصادية فحسب، بل يحمل أبعادًا جيوسياسية هامة، حيث يساهم في إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية لصالح الشركات الأميركية، ويقلل من المخاطر الجيوسياسية في حال حدوث أي توترات بين الصين وتايوان.

من جانب آخر، يلفت العمري إلى أن المنافسة المستقبلية ستكون حول تصنيع الرقائق المتقدمة مثل تلك التي تعتمد على تقنيات 2 نانومتر أو أقل، وهو ما يعزز قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على تفوقها في السباق التكنولوجي العالمي.

خطوات سابقة لـ TSMC في السوق الأميركية

قبل هذا الإعلان، كانت TSMC قد بدأت خطواتها الأولى في السوق الأميركية عبر استثمار 12 مليار دولار لبناء أول مصنع لها في أريزونا عام 2020، لتزيد لاحقًا من استثماراتها إلى 65 مليار دولار مع إضافة مصنع ثالث. كما حصلت الشركة على دعم حكومي أميركي بقيمة 6.6 مليار دولار من وزارة التجارة الأميركية.

في هذا السياق، صرح متحدث باسم شركة “Nvidia” أن الشركة ستستفيد بشكل كبير من شبكة التصنيع العالمية لشركة TSMC لتعزيز مرونة سلاسل التوريد وزيادة قدرتها على التكيف مع المتغيرات السريعة في السوق.

المصادر:

  • تقرير “سي إن بي سي” الأميركية.
  • تصريحات الدكتور حسين العمري، أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي.
  • تصريحات شركة TSMC حول استثماراتها في الولايات المتحدة.