الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي: نظرة عالمية وفرص للعالم العربي
استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي
أصبح الذكاء الاصطناعي محورًا رئيسيًا للاستثمارات العالمية، حيث خصصت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية موارد مالية ضخمة لتطويره. استثمرت الولايات المتحدة 500 مليار دولار، في حين خصص الاتحاد الأوروبي 200 مليار يورو، بينما التزمت المملكة العربية السعودية بنحو 40 مليار ريال لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذه الأرقام ليست مجرد أرقام؛ بل تمثل استثمارات ضخمة تعادل الناتج المحلي لعدة دول.
بالإضافة إلى الاستثمارات الحكومية، تضخ الشركات التكنولوجية الكبرى أيضًا مبالغ هائلة في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي. هذه الشركات، على عكس الهيئات الحكومية، تقوم باستثمارات كبيرة لضمان نمو الذكاء الاصطناعي ودمجه في مختلف القطاعات. في الواقع، تفكر بعض الشركات في إعادة تشغيل المفاعلات النووية لتوليد طاقة إضافية، حيث أن إمدادات الكهرباء الحالية غير كافية لتلبية احتياجاتها.
لماذا يجب علينا تعلم الذكاء الاصطناعي؟
ثورة الذكاء الاصطناعي ليست مجرد موضة عابرة؛ بل هي تعيد تشكيل جميع جوانب حياتنا. وبينما يتم الشعور بتأثير الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، فإن القطاعات المرتبطة بالكتابة واللغويات والتواصل ستستفيد بشكل هائل. على سبيل المثال، تعتمد النماذج الحالية للذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT على توقع الكلمة التالية وربط الكلمات معًا لفهم السياق. يمكنك تجربة ذلك بنفسك عند استخدام الذكاء الاصطناعي لترجمة النصوص.
في الواقع، وصلت أهمية الذكاء الاصطناعي إلى أعلى مستويات الإنجاز العلمي. فتم منح جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024 مناصفةً بين ديفيد بيكر، عالم الكيمياء الحيوية، وديميس هاسابيس (الرئيس التنفيذي لشركة Google DeepMind)، وجون جامبر (الباحث الرئيسي في DeepMind). تم الاعتراف بنموذج الذكاء الاصطناعي “AlphaFold” لحل مشكلة كانت تشغل العلماء الكيميائيين لأكثر من 50 عامًا: التنبؤ بالبنية المعقدة للبروتينات.
دور الذكاء الاصطناعي التحويلي في الطب
يمتد تأثير الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في المجال الطبي، حيث يمكنه المساعدة في تشخيص الأمراض بدقة تفوق أحيانًا التخصصات الطبية. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الأطباء البشريين، خاصة في المجالات التي تتطلب التعاطف أو الدعم النفسي، إلا أنه يمكنه التفوق في تنفيذ المهام المتكررة. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية أو استخراج المعلومات الدقيقة من البيانات المعقدة للأطباء، مما يسمح لهم بالتركيز على جوانب أكثر تعقيدًا في رعاية المرضى.
التأثير الاقتصادي للذكاء الاصطناعي
وفقًا لتقرير صادر عن مركز دبي المالي العالمي (DIFC)، من المتوقع أن يصل مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي إلى 15.7 تريليون دولار بحلول عام 2030. لوضع هذا في سياق، فإن حجم سوق النفط العالمي يقدر بـ 5 تريليونات دولار، بينما تبلغ القيمة السوقية لشركة إنفيديا، التي استفادت بشكل كبير من التقدم في الذكاء الاصطناعي، 3.3 تريليون دولار. هذا يعني أن المساهمة الاقتصادية المتوقعة للذكاء الاصطناعي تعادل خمس مرات قيمة سوق النفط العالمي وثلاث مرات قيمة شركة إنفيديا.
الذكاء الاصطناعي في العالم العربي
على الرغم من طفرة الذكاء الاصطناعي العالمية، تأخرت الدول العربية في تبني واستثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي. وهذا يخلق فرصة كبيرة للمنطقة لتدريب جيل من الخبراء في هذا المجال، وتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تناسب الثقافة العربية واللغة العربية، ومعالجة التحيزات الموجودة في الأنظمة الحالية، مثل تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية. على سبيل المثال، أظهرت بوتات الدردشة مثل ChatGPT تحيزًا في تقديم المعلومات المتعلقة بفلسطين، مما يبرز الحاجة إلى نماذج ذكاء اصطناعي مخصصة للمنطقة.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في العالم العربي
على الصعيد العملي، هناك إمكانيات استثمارية ضخمة في الذكاء الاصطناعي في العالم العربي. سواء كنت مهندسًا أو رائد أعمال يتطلع لتطوير حلول ذكاء اصطناعي مخصصة للمنطقة، فإن الفرص واسعة. العديد من الشركات الناشئة بدأت بالفعل في تحقيق تقدم في هذا المجال. على سبيل المثال، تقدم شركة “WideBot” المصرية الناشئة حلول ذكاء اصطناعي للمؤسسات، وقد حصلت مؤخرًا على تمويل قدره 3 مليون دولار خلال مؤتمر LEAP 2025. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت المملكة العربية السعودية عن استثمارات بقيمة 10.9 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، بينما التزمت الإمارات العربية المتحدة بتمويل كبير، بما في ذلك استثمار بقيمة 30-50 مليون دولار في شركة Mistral AI، وهي شركة فرنسية تطور نماذج مخصصة لمنطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
الحاجة إلى مهندسين ماهرين في الذكاء الاصطناعي
الاستثمارات الضخمة والشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تخلق طلبًا متزايدًا على المهندسين الماهرين. تتزايد رواتب مهندسي الذكاء الاصطناعي، مما يعكس أهمية خبراتهم في دفع هذه الابتكارات. إذا كنت تفكر في تعلم الذكاء الاصطناعي، فإن الوقت الحالي هو الأنسب للاستثمار في هذا المجال.
البدء في تعلم الذكاء الاصطناعي
لبدء تعلم الذكاء الاصطناعي، تلعب الرياضيات دورًا حاسمًا، لكنها ليست عقبة لا يمكن التغلب عليها. حتى إذا كنت قد واجهت صعوبة في تعليم الرياضيات التقليدي، فلا يزال بإمكانك دخول هذا المجال. تعتبر الرياضيات مهمة لفهم الخوارزميات وتعلم الآلة ونماذج الذكاء الاصطناعي، لأنها تعلمك التفكير المنطقي وحل المشكلات. تعد قناة 3b1b على يوتيوب، التي تركز على شرح المفاهيم المعقدة من خلال الرسوم التوضيحية والرسوم البيانية التفاعلية، بداية رائعة.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الضروري فهم الأساسيات حول كيفية عمل الكمبيوتر ونظامه الداخلي، وكذلك كيفية معالجة الآلات للمعلومات. فالذكاء الاصطناعي ليس فقط عن إتقان الأدوات، بل هو عن فهم المبادئ التي تحركها وتطبيقها في سيناريوهات العالم الواقعي.
الخاتمة
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الصناعات والاقتصادات عبر العالم بسرعة. مع تدفق الاستثمارات الكبرى في أبحاث الذكاء الاصطناعي، يسعى كل من القطاعين الحكومي والخاص للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي. بالنسبة للأفراد في العالم العربي، هناك فرص فريدة للانخراط في هذا المجال، بدءًا من تطوير نماذج مخصصة للمنطقة وصولاً إلى الانضمام إلى مجال هندسة الذكاء الاصطناعي المتنامي. إذا كنت ترغب في النجاح في هذا المجال، من المهم التركيز على بناء أساس قوي في الرياضيات وعلوم الكمبيوتر ومبادئ الذكاء الاصطناعي. ستكون الاستمرارية والتفاني والتعلم المستمر مفتاحًا بينما يواصل الذكاء الاصطناعي تشكيل عالمنا.
المصادر:
- تقرير مركز دبي المالي العالمي (DIFC) عن تأثير الذكاء الاصطناعي
- مؤتمر LEAP 2025
- تقارير رسمية عن استثمارات الذكاء الاصطناعي في السعودية والإمارات
- قناة 3b1b على يوتيوب التي يديرها جرانت ساندرسون